فَبِعْثَته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست رحمة للمؤمنين فقط، بل هي رحمة للعالمين أجمعين.
وذكرنا سابقاً أمثلة من كون دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للعالمين، فقد بُعِثَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدنيا تموج بالظلم موجاً في كل مكان، فلما انتصر هذا الدين، وهذا النور العظيم الذي يعطي الإِنسَان كرامته وحريته الحقيقية، ويرد له إنسانيته وتكوين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له.
تأثرت الأمم جميعاً بهذا الدين، حتى الأمم التي لم تدخل في الإسلام شملتها رحمة الإسلام من اليهود والنَّصَارَى الذين أعطوا العهد والذمة أو دفعوا الجزية، أمنوا وارتاحوا فرحمهم الله عَزَّ وَجَلَّ بهذا الدين.
وحتى الأمم الأخرى التي لم تسلم رحمها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهذا الدين فأصبحت تعلم قيمة الإسلام، وتعلم شناعة الظلم وبشاعة الاستعباد والطاغوتية التي كانوا يعيشون فيها، ولهذا فإن أوروبا كانت أشد العالم همجية.
فلما جاءت الحروب الصليبية، وحاربوا الْمُسْلِمِينَ رأوا كيف يعيش الْمُسْلِمُونَ، مع أنهم تركوا كثيراً من الهدى الذي كَانَ عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك فالأوروبيون من فرنسيين وألمان وإنجليز تعجبوا كيف يعيش النَّاس في هذا النعيم وهذه الراحة ورأوا علماءهم يقولون: قال الله قال رَسُول الله وعلماء النَّصَارَى محتكرين للدين ويفسرونه كما يشاءون، ويحللون ويحرمون كما يشاءون، فالبابا مرة يحرم الطلاق ومرة يبيحه ومرة يحرم الربا ومرة يبيحه
((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً)) [التوبة:31]
فلما رأوا ذلك قامت في أوروبا الحركة التي تسمى حركة الإصلاح الديني، مارتن لوثر وكالفن.
فقالوا: اطمسوا جميع الصور والتماثيل التي كانت في الكنائس، وَقَالُوا: لا نقول في الدين بالتثليث الأب، والابن، وروح القدس، أي: لا نقول: إنها آلهة؛ بل نقول: إله واحد، وهم لم يسلموا، ولكنهم يحاولون أن يقربوا إِلَى الإسلام، قالوا: ورجال الدين لا يحتكرون كل شيء، بل من حق كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس ويعلم ما فيه مثلما رأوا حال الْمُسْلِمِينَ.
يقول علماء التاريخ الأوربيون: إن حركة الإصلاح الديني أحد أهم الأسباب والعوامل في نهضة أوروبا بخروجها من القرون الوسطى إِلَى القرون الحديثة -كما يسمونها- فبذت الخرافات والضلالات والشركيات، نعم وقعت في الإلحاد هذا صحيح، لكن ليس السبب أنها خرجت من حق إِلَى باطل. لا؛ بل خرجت من باطل ورفضت الحق وهو الإسلام، ووقعت في باطل شر منه وهو الإلحاد الذي تعيش فيه اليوم، وكان عليها أن تخرج من الباطل، وتقع في الحق الذي هو دين الإسلام الذي لا حق سواه.

إن دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثته رحمةً للعالمين، وبإذن الله تَعَالَى كما أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار} وسوف{ينزل عيسى عَلَيْهِ السَّلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يبقى عَلَى الأرض مشرك}، وفي آخر الزمان تقوم خلافة عَلَى منهاج النبوة ويدخل النَّاس جميعاً في دين الإسلام، ويتحقق أيضاً كمال الرحمة للعالمين بحيث لا يبقى عَلَى الأرض خارج عن هذا الدين.